زهايمر الشباب..ضيف ثقيل يغتال الذاكرة
عادل صديق
الزهايمر Alzheimer هو مرض يصيب المخ و يتطور ليفقد الإنسان ذاكرته و قدرته علي التركيز و التعلم. و قد يتطور الزهايمر ليحدث تغييرات في شخصية المريض فيصبح أكثر عصبية أو قد يصاب بالهلوسة أو حالات من الجنون المؤقت، وإذا كان الإنسان يلجأ إلى النسيان الإيجابي للتخلص من الذكريات المؤلمة ، فإن الزهايمر لايبقي ولا يذر من ذاكرة الإنسان فهو تخلص من الوعي بأسلوب قسري.
ويبدأ الزهايمر بإصابة المريض بفقدان غامض للذاكرة، ويتطور سريعا، ويفقد المصابون بالزهايمر القدرة على التعرف على الأماكن أو أشخاص يحبونهم ، ولا يستطيع المريض الاهتمام بنفسه، والمرض ينسي الإنسان المصاب أصغر التجارب التي مـرّ بها واكتسبها خلال عمره، ويستعين بها في تلبية حاجاته الحياتية ،مثل التعرف على خطر النار، وأنها تحرق، ولكن المصاب بالزهايمر ينسى الخطر ولا يعبأ بشيْ مطلقا ، ويكون في حاجة لمساعدة ذويه في أخصّ الأشياء التي بها قوام حياته، ويرجع الفضل في اكتشاف هذا المرض إلى العام 1907على يد الطبيب الألماني لويس الزهايمر ،حيث أطلق اسمه على المرض عند تشريح لمريضة في الخمسين من عمرها عقب موتها ، لقد كانت تعاني من فقدان الذاكرة.
المرضى بالملايين
ويتوقع أطباء الأمراض النفسية والعصبية في جامعة " كينج " أن تصل نسبة المصابين بهذا المرض على 42 مليون شخص في العالم بحلول عام 2020م ،ويقومون بدعوة الحكومات للمسارعة بوضع خطة لمواجهة زحف هذا المرض قبل أن يتسبب في كارثة إنسانية لا يمكن السيطرة عليها حيث ستزداد النسبة لتصل إلى 81 مليوناً في العالم بحلول العام 2040 م، ويرجع الأطباء الزيادة المخيفة إلى الكثافة السكانية العالية التي تسود معظم الدول على مستوى العالم وبالأخص الدول النامية، بالإضافة إلى ارتفاع نسبة الأشخاص المعمرين والذين يعانى معظمهم من أمراض متعلقة بالمخ.. أو أمراض نفسية أو عصبية أو وراثية.. وجدير بالذكر أن معدّل الإصابة بهذا المرض في العام تبلغ 360.000 شخص سنويا ، ويصل العدد إلى 150مليون نسمة بحلول العام 2025 كما أنه يصيب 4 ملايين أمريكي منهم 10 % تزيد أعمارهم عن 65 سنة، و50 % تزيد أعمارهم عن 85 عاما .
ويؤدي الزهايمر إلى موت 100.000 شخص سنويا في الولايات المتحدة أما في فرنسا فيصاب 135.000 فرد سنويا ،وأن الإصابة بالمرض تزداد بتجاوز الفرد سن 65 سنة ، وإصابة النساء تفوق إصابة الرجال لطول أعمارهن النسبي مقارنة بالرجال .
ويشكل الأفراد الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاما حوالي 15 % من مجموع سكان بريطانيا ، و22 % من سكان اليابان ، ومعدل الأعمار في العالم في العالم تتزايد نظرا لتطور الرعاية الصحية .
" الزهايمر " يأتي مصاحبا لبعض الأمراض الأخرى مثل : مرض السكّر أو ارتفاع ضغط الدم أو مرض البول السكري أو القلب أو ارتفاع نسبة الكولسترول في الدم، ويؤكد د. سعيد عبد العظيم أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة و رئيس الجمعية المصرية للطب النفسي أن "الزهايمر" يصيب الإنسان في السن المتقدمة ويبدأ من 60 إلى 70 عاما غالبا ، وأحيانا يصيب بعض الأشخاص فى سن مبكرة.
أعراض ما قبل الانهيار
توجد لدى المريض أعراض أولية تؤكد على بدء تغلغل الداء إلى مخ المصاب، وتعد هذه التغيرات جوهرية متناقضة في الوقت ذاته ، جوهرية لأنها تتعلق بقدرة المصاب على استغلال ما لديه من مخزون تجارب في الوقت الملائم ، مثل تقدير الخطر، أو الإدراك في الوقت المناسب للخطر واتخاذ الإجراءات الملائمة لتحاشيه،مثلا عند عبور للطريق، حين ترى سيارة على بعد ، تبدأ حسابات عقلية لتقدير المسافة ، وسعة الخطوة حتى تستطيع العبور قبل وصول السيارة لموقعك بوقت كاف ، وحين ترى النار مشتعلة في البيت تدرك الخطر وحجمه ، وتتخذ الإجراء الملائم حسب الأهمية ، إما بالمغادرة للمكان، أو الاتصال بقوات الإطفاء ، أو إنقاذ الصغار قبل الاتصال، وإيقاظ النائمين،هذه بدائل يطرحها المخ لتحاشي الخطر، ولكن المصاب بالزهايمر وخاصة في المراحل المتأخرة لا يدرك ذلك كله.
في البداية يفاجئ المصاب أهله، ومن حوله بعدم القدرة على تذكر أحداث وقعت له قبل مدة قصيرة مع ضعف في أدائه الكلامي لدرجة أنه يصل إلى حالة من الهذيان في بدء الإصابة، وهو ضيف ثقيل يصيب مساحة كبيرة من الذاكرة وقشرة المخ ويؤدي إلى فقدان تدريجي للذاكرة والوظائف اليومية الاعتيادية التي يقوم بها كل فرد منّا، وتتطور الحالة بفقدان التمييز وعدم معرفة الأماكن وزيادة الوساوس و الهلوسة، فتجد أن بعض كبار السن يخرج الواحد منهم من المنزل ولا يتذكر العنوان بسبب حدوث خلل في الذاكرة.
تدهور تدريجي
يبدأ التدهور تدريجيا لتراكم صفائح " الأميلويد بي " في الخلايا العصبية بالمخ ، هذه الصفائح مؤلفة من مواد بروتينية ينتجها الجسم بصورة طبيعية ، ويوجد صنف آخر هو "البيتا الميلويد" التي تتصيد بواكير الأميلويد.
في المخ السليم تتكسر المواد البروتينية ويتضاعف حجمها وتظل على هذه الحالة من الهدم والبناء ، ولكن عندما تتراكم في المخ على شكل صفائح صلبة غير قابلة للذوبان ، تؤدي إلى تلف التعرجات العصبية والألياف وأنابيبها ومحاورها ، يضاف لذلك حدوث انكماش في قشرة المخ وزيادة فجواته وتضخم حجرات المخ ، وتكسر خلايا "قرن آمون " حينها تتأكد إصابة الإنسان بـ " الزهايمر " .
تثبت نتائج التشريح عددا من أعراض المرض منها : تليف وتشابك أنسجة المخ ، والتهاب الصفائح العصبية حيث تظهر بشكل عناقيد داكنة مؤلفة من البروتين والخلايا العصبية التالفة ، كما توجد الكثير من الخلايا العصبية في حالة شيخوخة تتألف من خلايا عصبية ميتة ، .
ورغم تواجد هذه الأعراض توجد تغيرات لدى كبار السن الأصحاء تؤدي إلى الزهايمر منها تلف الخلايا العصبية الذي يؤدي إلى نقص قدراتها في نقل الحثّ العصبي من خلية إلى أخرى ، وبالتالي يؤدي ذلك إلى ضعف أو عدم قدرة ترابط مناطق المخ كي تعمل بصورة مرضية ، وغالبا ما تتأثر ثلاثة أنواع من الخلايا تؤدي إلى الزهايمر وهي :
• استيل كولين ، وهو الأكثر تأثرا .
• السيروتنين .
• التيرو بنفلين .
الزهايمر والأمراض الشبيهة
هناك فارق بين الزهايمر والنسيان والعته، حيث تبدأ رحلة القلق من الناس خشية أن يكون النسيان لديهم هو البدء للزهايمر ، فالكثيرون ينسون بعض الأشياء ، وليس لذلك دلالة تواجد الزهايمر إلا إذا زادت ظاهرة النسيان وصعب القيام بالوظائف الأخرى،ومرض العته أو الخرف الذي يبرز الآن على أثر الشيخوخة ، فيكون نتاجا لتغيرات في وظائف المخ على أثر تصلب الشرايين، أو الجلطات، الأورام ، السكتات المخية أو اضطراب الغدة الدرقية ، أو الإصابة بمرض الزهري المتقدم ، أو على أثر الكحول وسوء التغذية ، وأيضا الانهيار العصبي والإصابة بمرض باركنسون .
أنواع الزهايمر
ينقسم الزهايمر إلى نوعين :
النوع الأول : المبكر ، وأعراضه وتطوره تظهر مبكرة ولا تستغرق وقتا طويلا ، ويصيب المريض من عمر 35 ـ50 عاماَ، ويظهر وراثة لدى بعض الأسر " الزهايمر العائلي " FADالذي ينتقل عن طريق الجينات الوراثية من أحد الوالدين ، تتناقل الصبغيات الوراثية اللاجنسية المورثة ـ وهو قليل الانتشار ، ولا يشكل إلا حوالي 5 ـ 10 % من مجموع المصابين بالزهايمر ، وتتمثل أعراضه في : تكرار نفس العبارات لعدة مرات ـ وتكرار النسيان لمواضع الأشياء ـ وارتباك في تذكّر أسماء الأشياء المعروفة،نسيان طرق وممرات معتادة ـ تغيرات في السلوك الشخصي ـ الكسل وعدم الاهتمام بالأشياء التي كان يألفها من قبل .
النوع الثاني : المتأخر وتظهر أعراضه بصورة، ويصيب الأفراد الكبار نسبيا ، ويصيب كبار السن الذين هم فوق الـ 60 عاما، وأيضا ينتشر في بعض الأسر ويكون تأثير الجينات غير مباشر في حدوث المرض " الزهايمر الفردي AD " وهو الذي لا يحدث بتأثير المورثات بصورة مباشرة، حيث يزيد من احتمالات تكوين الصفائح المتشابكة في الخلايا العصبية ، وهي التي تتسبب في تكون الزهايمر ، وأهم أعراضه هي :تناقص المعرفة بالأحداث الجارية ، ونسيان الأحداث التي وقعت خلال فترات من حياته ، كما يحدث له اضطراب في اختيار الملابس الملائمة ، ويحدث للمصاب إحساس بالكآبة والأوهام والتهيج، وتظهر صعوبات في إنجاز المهام التي يقوم بها غير المصاب ، في نفس الفترة العمرية مثل : تحضير الطعام ،و قيادة السيارات والتعامل المالي ، وضعف بعض الحواس .
أسباب غير محدّدة
لا يذكر المتخصصون أسبابا محددة تؤدي إلى الإصابة بالمرض، ولكن هناك معطيات تلازم الإصابة تم اكتشافها عقب التشريح مثل : تراكم كميات كبيرة من العناصر الثقيلة في المخ ، كالألمنيوم في منطقة " قرن آمون " المخّية علاوة على وجود كثافة من بعض العناصر كالزئبق، والرصاص مما يؤدي إلى حدوث تقلص مستمر، حيث قام المتخصصون بتشريح المخ لعدد ممن الذين لقوا حتفهم على أثر التأكد من الإصابة بالزهايمر، فوجدت تركيزات كبيرة من الألمونيوم تصل لأربعة أضعاف وجودها الطبيعي في خلايا المخ بصورة طبيعية .
ويشير المتخصصون إلى أن سوء التغذية يؤثر على المخ وينعكس سلبا على أدائه الوظيفي , فالمخ يعمل أثناء اليقظة وأثناء النوم ويستهلك طاقة الجسم رغم قلة وزنه وتتركز مغذيات المخ التي تساعد على صفاء الذهن وحسن التركيز والتذكر الجيد في الأحماض الدهنية غير المشبعة " أو ميجا 3 " وتوجد في بعض الزيوت والأسماك التي تحافظ على سلامة الأعصاب والمكسرات أيضا والأحماض الروتينية " تبروزين " وهى تساعد على التركيز أثناء التوتر النفسي وتتوافر في الفول السوداني واللوز وفيتامين " ب المركب " وبه مادة " كولين " وهى مادة موصلة للإشارات العصبية مهمة جدا في عملية التذكرة.
أسباب محتملة
وطول فترة مشاهدة التلفزيون لها أثر كبير في الإصابة بالمرض إضافة لسوء التغذية ، وعدم تناول مركبات فيتامينB ولاسيما B12 والزنك يتم تركيز الزئبق السام في المخ لدخوله في صناعة حشوات الأسنان، وكل ذلك يؤدي إلى اضطراب عمل جهاز المناعة في الجسم ، وضمور خلايا الجسم بتقدم العمر ، والبدانة ، وتدني الصحة العامة لدى الأطفال .
لقد تم الإعلان في الاجتماع السنوي لطب الأعصاب في سانتياجو أن ارتفاع نسبة الكوليسترول يؤدي بالضرورة إلى زيادة لإنتاج صفائح البيتا أميلويد المسببة لمرض الزهايمر .و تبين أن هناك جينات متوارثة تزيد من احتمالات الإصابة بـ " الزهايمر "بين أفراد العائلة الواحدة، وتتناقل من جيل لأخر .
الوقاية والعلاج
الزهايمر لم يوجد له علاج حاسم للآن ، إلا أن الأبحاث في هذا المجال تتقدم من عام لآخر. كم أثبتت الأبحاث أن العناية بالمريض و الوقوف بجانبه تؤدي إلي أفضل النتائج مع الأدوية المتاحة.وإن كان الكثيرون قد اكتشفوا وسائل غذائية ، ودوائية " تؤخر " النهاية المأساوية ، على سبيل المثال اكتشف الباحثون في" مركز سانت لوك الطبي " أمريكا بعد متابعة شريحة مكوّنة من 815 فردا فوق الستين من أعمارهم ، ولمدة أربع سنوات أن 131 منهم قد أصيبوا بالمرض ، وأن الزيوت غير المهدرجة التي توجد في الخضروات تساهم لحد كبير في الوقاية من الإصابة بالمرض والعكس صحيح بالنسبة لم استهلكوا زيوتا ودهونا مشبعة والتي توجد في اللحوم ، ومنتجات الألبان .
وأكدت بعض البحوث المشروبات تساعد على زيادة التركيز وعملية الاستذكار منها اللبن ويشمل كل مغذيات المخ, والموز وهو غنى بالبوتاسيوم و" التيروزين" و " التمر " لأنه غنى بالسكريات والماغنسيوم والبوتاسيوم وكذلك "البليلة " التي تحتوى على جنين القمح الغني بفيتامين " ب B " والكالسيوم والفوسفور والبوتاسيوم وأيضا توجد عصائر مغذية للمخ منها عصير القصب والجزر والبرتقال والمانجو.
كما أشارت الدورية العلمية التي يصدرها المركز القومي للبحوث في مصر برئاسة هاني الناظر أن المكرونة تمد المخ بالطاقة بصورة منتظمة فهي ليست كالسكريات السريعة الامتصاص التي تعطى الخليات العصبية " دفعة " واحدة من الطاقة ثم ينتهي تأثيرها بعد ذلك والمكرونة من المواد الكربوهيدراتية ذات المصادر الغذائية القمح التي تقوى الجهاز العصبي خصوصا عندما يحدث خلل في تركيز السكر في الدم ومن الأغذية الأخرى التقى أشارت إليها الدورية العلمية التي تساهم في تنشيط العقل منها " اللحوم الحمراء " التي تغذى المخ بالحديد والأوكسجين والزيوت النباتية غير المشبعة كزيت فول الصويا فإنها تحافظ على بنية الخلايا العصبية وتحميها من التلف لما تحتويه هذه الزيوت من أحماض دهنية أساسية وفيتامين وكذلك فاكهة الموسم والخضروات الطازجة أو المجمدة لأنها تنشط الخلايا العصبية وتحافظ على حيويتها نظرا لما تحتويه من فيتامينات أهمها فيتامين " ج C" الذي يساعد على إتمام عملية نقل الرسائل بين الخلايا العصبية .
وذكر باحثون من بريطانيا أنهم توصلوا إلى مركب كيميائي كفيل بالقضاء على البروتينيات التي تتراكم في المخ وتؤدي إلى الإصابة بالزهايمر من النوع الثاني الذي يصيب الكبار بصفة خاصة . وذكر الباحث " مارك بايبس " وفريق عمل يعمل بدأب معه في "يونيفرستي كوليج " في المملكة المتحدة أنهم توصلوا في مقال ورد في مجلة "نيتشر" العلمية أنهم سيبدأون تجربة مركب علاجي على بعض مصابي الزهايمر .
ويبقى الأمل قائما
ويظل الأمل قائما بين وسائل الوقاية ومقتضيات العلاج ، فلا يتصور إنسان أنه سيصاب بخرف الشيخوخة ، الذي يتحول على أثره إلى إنسان غير قادر على أن يساعد نفسه في أبسط خيارات الحياة حين يرد إلى "أرذل العمر" نسأل الله السلامة